يحدث هنا في فلسطين.. طالبة جامعية تنام في الحمامالسرير في الحمام
رشيد شاهين
رام اللهلا اعرفها ولم التق بها، ولا اعرف اسمها، ولا اعتقد بان لدي الرغبة في معرفتها أو اللقاء بها، ليس تعففا، ولكن لأنني لا أريد أن أرى - الإنسانة المأساة- وهي تمشي على الأرض، لهذا أفضل أن أبقيها كما هي أو كما تصورتها، في الذاكرة، وليظل غضبي كما هو في هذا الحجم، لأنني لست بحاجة لمزيد من الغضب، ولا أريد لهذا الغضب أن يزداد فانفجر غيظا وكمدا لما آل إليه حال هذا الشعب، كما أسلفت فإنني لم أرها ولم اعرفها، كل ما في الأمر أنني سمعت قصتها، كان ذلك خلال اجتماع لحملة الكرامة، حيث اخبرنا احد الزملاء عن موضوع الفتاة قبل بدء الاجتماع، وقد خيمت أجواء فيها من الغضب الكثير لهذا الحال – المايل- الذي وصل إليه أبناء الشعب الفلسطيني.
لقد اخبرنا انها طالبة في إحدى الجامعات الفلسطينية، وقال انها وبرغم ضيق الحال وضنك العيش، استطاعت أن تحصل على مجموع يزيد على 86 في المائة في امتحان التوجيهي، وقد التحقت بالجامعة وهي الآن في الفصل الأول، لست اعلم لماذا في الفصل الأول برغم انها يجب أن تكون في الفصل الثاني، لم أسال الزميل عن ذلك عندما تحدث عنها ربما لأنني كنت مذهولا مما سمعت، لكن يبدو من الواضح انها لم تتمكن لظروفها المادية أن تلتحق بالجامعة في الفصل الأول، إلا انه أشار إلى انها تدرس في إحدى كليات الآداب، ولا يعلم لماذا الآداب طالما هي علمي.
الطالبة- الصابرة- وكما اخبرنا الزميل، تعيش مع أسرة مكونة من الوالدين وشقيقين، الوالد أصيب بمرض نفسي وهو يغيب عن البيت بكثرة بسبب وضعه – الصحي النفسي- فهو يهيم على وجهه في الجبال المحيط بالقرية، وقد يغيب يوما أو أسبوعا أو شهرا أو حتى أشهر عدة، دون أن يعرف أي كان أين هو. المشكلة لا تقتصر على الوالد ومرضه فقط، فهي تمتد إلى البيت الذي تعيش فيه –الصابرة-، هذا إذا كان بالإمكان أن نطلق على المكان الذي تعيش فيه مثل هذه التسمية، فهو ليس ككل البيوت، انه يشبه البيوت التي نعرف، انه أطلال بيت، يتكون فقط من غرفة واحدة مقسومة إلى قسمين، الأول وهو غرفة نوم صغيرة لا تكاد تتسع لشخصين، والقسم الثاني الذي لا يفصله عن القسم الأول سوى – قاطع من الطوب- لا باب فيه، مجرد فتحة لباب قد يأتي في المستقبل، وهو القسم الذي يضم الحمام والمطبخ هذا إذا جاز لنا أن نسمي المكان مطبخا حيث لا غاز ولا فرن ولا حتى مكانا لجلي الصحون .....ولا شيء مما نعرفه عن المطابخ، وهو أيضا المكان الذي تنام فيه الصابرة، عندما ذكر الزميل ذلك تذكرت –الزنزانات- في سجون الاحتلال وبعض سجون المخابرات العربية. ما يزيد الوضع ألما هو أن على الصابرة أن تترك مضطرة مكان نومها كلما أراد احدهم استعمال الحمام، ليس مهما متى، ليلا نهارا فجرا عصرا صيفا شتاء مطرا قيظا،حيث لا يمكنها البقاء – مرتاحة- حتى ضمن هذا المكان، لا بل وجميع أفراد العائلة كذلك في حال أراد احدهم أن يستحم.
لا تنتهي الأمور عند هذا الحد، فالصابرة، تجد صعوبة بالغة في تدبير مصاريف سفرها من والى الجامعة، وهي تمضي يومها في الجامعة، والذي قد يمتد لساعات طويلة، - على شحم بطنها- فهي ليس بإمكانها أن تشتري كوبا من الشاي يدفئ معدتها شتاء أو كأسا من العصير يبرد حر صيفها، وهي بالضرورة لا تستطيع شراء – ساندويتش- يسد رمق جوعها، والصابرة لا تمتلك كرسيا في – البيت- الذي تعيش فيه ولا مكتبا أو حتى طاولة، وهي ليس لديها من الملابس كما بقية البنات أو الطالبات اللواتي لا يترددن في تغيير ملابسهن يوميا، في بعض الحالات وخاصة إذا ما كان مكان السكن قريب من الجامعة مرتين أو حتى ثلاثة يوميا، فهي تعيش على صدقة الأخريات من بنات قريتها، إلا انها تخجل من لبس ما يجود به عليها أهل قريتها، وتخجل أن يقال أن هذا اللباس، الفستان، الجلباب كان لفلانة أو لفلانة.
الصابرة التي هي أحوج ما تكون للمساعدة لا تقصر في دراستها، وهي تحصل على علامات مميزة او على الأقل جيدة في الجامعة، لكن إلى متى تستطيع أن تستمر في الحصول على هكذا تميز، وهي بالضرورة يمكن أن تتميز بشكل اكبر وأفضل فيما لو توفر لها الحد الأدنى من المقومات التي تتوفر لمعظم إن لم يكن لجميع الطلاب في هذا الوطن، الصابرة بحاجة إلى مساعدة، وهي على أي حال مساعدة ليست كبيرة، فان أي من أصحاب الشركات الذين لا يفتئون يعلنون عن تقديم سيارات كهدايا أو في مسابقات اليانصيب التي نقرأ عنها يوميا في وسائل الإعلام، يمكنه أن يقدم المساعدة لها في بناء غرفة مهما كانت صغيرة، وهي بحاجة إلى طاولة مكتب والى كرسي وربما إلى جهاز كمبيوتر، القضية ليست كبيرة، يمكن لأي من أصحاب رؤوس الأموال أن – يتنازل- عن سهرة أو عشاء فاخر في احد الفنادق الراقية في البلد لليلة واحدة، أو ليلتين فقط ويقدم ما سيدفعه لهذه الصابرة.
إن أي مساعدة لها يمكن أن تصنع منها شيئا ما في المستقبل، من يدري، ا ناس مساعدة سوف يمنعها من الانحراف – وحاشى لله أن ينحرف مثل هذه الصابرة- فهي النموذج للفضيلة والعفة والإرادة والشرف والتصميم.
أخيرا، هذه ليست التفاصيل الكاملة لقصة الصابرة، وإنما الخطوط العريضة لقصتها البائسة، يمكن سماع قصتها من زميلي لمن يرغب، هذه كما قلت ليست القصة الكاملة وإنما رؤوس أقلام، او وخزات لبقايا ضمائر ربما لا تزال موجودة لدى البعض من أهل الهمة والنخوة والغيارى، وهي إنما
دعوة لكل الخيرين في هذا البلد سواء كانوا في مواقع السلطة الرسمية أو في أي موقع كان من اجل مساعدة الصابرة حتى تستطيع أن تستكمل مسيرتها التعليمية على الأقل خاصة وانها في أمس الحاجة إلى ذلك.في الصورة المرفقة يمكن ملاحظة السرير الذي تنام عليه الصابرة في الجهة اليمنى من المكان وفي الجانب الأيسر فتحة الحمام