طماطم ودم..
الطفل أيمن ابن الخامسة يحاول لليوم الثاني على التوالي إيقاف نزيف أخيه سائد الذي يرقد مثخناً بالجراح بين جثة أمه ويده المبتورة وسط بركة من الدماء أحدثتها إحدى قذائف الدبابات التي تقف خلف المنزل مباشرة .. تمر الساعات ببطء وينتبه أيمن لأنين أخيه راشد الذي ظنه استشهد لحظة القصف .. يقترب أيمن من راشد ليحاول فهم كلماته التي سمعها بصعوبة بسبب صوت القصف، فيكتشف أن أخيه يريد شربة ماء، ويكتشف أيضاً أنه بحاجة للشراب والطعام من شدة الجوع الذي يشعر به .. يذهب على الفور إلى المطبخ ويلتقط من وسط الدمار زجاجة ماء وثمرتين طماطم احتضنهم جميعا بيد واحدة لأن الأخرى مصابة ويصعب عليه استخدامها، ثم يتجه نحو راشد كي يسقيه الماء، إلا أن الأخير يلفظ أنفاسه الأخيرة وهو يتمتم بالشهادة بينما يذهب الماء عبثاً ليختلط بالدماء على الأرض .. يهرع أيمن باتجاه أخيه سائد ليخبره بأن راشد استشهد، لكن أيمن لم يحرك ساكناً، ولولا أنه شاهد الدموع في عينيه، لظن أنه استشهد هو أيضاً..بعد مرور فترة من الوقت، أخبره سائد بأنه لم يرد عليه لأنه كان يصلي ، ثم طلب منه بخجل حبة طماطم لأنه يشعر بالجوع.. ارتج المنزل بشدة بسبب اشتداد القصف ولكن أيمن لم يكترث وأحضر حبتين الطماطم اللتين سقطتا بجوار جثة أخيه راشد ، ثم اجتهد لإطعام أخيه سائد بيده لعدم استطاعة الأخير إبداء أي نوع من الحركة بسبب جراحه .. يدخل الليل ويزداد الجو برودة ممزوجة برائحة البارود المنبعث من فوهة الدبابات .. لكن أيمن تجرأ وذهب إلى غرفة النوم التي انهار جدارها وتبعثر أثاثها، واستخلص بصعوبة بالغة من وسط الأطلال غطاءين وضع أحدهما على أخيه الذي كان جسده يرتجف وينتفض بشدة، بينما وضع الآخر على جثة والدته ثم نام بجوارها واضعاً يده في يدها التي لم يعتدها يوما باردة إلا في تلك اللحظة .. ليلة أخرى طويلة تمر عليه، تعارك فيها ظلام الليل وضوء المدافع الذي ينبعث من النوافذ وشقوق الجدران، ثم يفاجئ بشروق الشمس التي ظن أنها استشهدت من طول غيابها.. يحاول الانتقال من مكانه ليوقظ أخيه سائد، فيكتشف أن أطرافه ترفض الاستجابة، فيجبرها على ذلك حبواً، ولكنه لم يستطع إجبار أخيه سائد على الاستيقاظ لأنه استشهد هو أيضاً .. تمضي الساعات ببطء شديد، ثم يدخل المنزل رجال الإسعاف ليحكي أيمن حكايته ببطء شديد عندما يستفيق في المستشفى.