صمت الأنامل
\
\
\
\
\
\
السلام عليكم
حين يعج الرأس بالأفكار و الحياة بالأحداث و مع ذلك تجد الأنامل صامتة فلا يسعفك الحرف لتخط سطرا واحدا ذو قيمة،،
لا تجف الأفكار و لا الحبر و لكنها الأنامل مقيدة أو ربما يستهويها الصمت حين تهطل عليها الأحداث كطوفان جارف لا يبقي شيئا يستحق أن يقال،، فتتراءى لك الأفكار مترنحة لا ترسيك على بر، و تتساءل بينك و بين نفسك: ترى كيف ينظر الآخرون إلى هذا الصمت؟،،
من منا تعوزه الأفكار؟ طبعا لا أحد،
تجدنا في اليوم الواحد نكتب ألف و ألف حرف و لكنه ليس ذو قيمة تذكر،
ننسى في خضم ذلك أننا نشبه أفكارنا أو أفكارنا هي التي تشبهنا، أو بصيغة أخرى، إننا نبدو كما نفكر،،
و باعتقادي أن الأنامل تكف و تصمت حين تكون المسافة الفاصلة ما بين الفكرة و تجسيدها بالحرف قد بلغت مداها فيستعصي بذلك ترجمتها إلى كلمات أو تعابير يمكن إداركها، ربما ما أحاول تجسيده الآن بالكلمات أو ما أحاول إيصاله يستعصي على الحرف و بالتالي يصعب استيعابه و لكن لا ضير من المحاولة لفهم ما يجعلني و أنا التي تعج بالأفكار غير قادرة على فهم لماذا أصمت بما أنني هنا لا شيء يمكنه التعبير عني إلا حرفي؟ محاولة ربما يائسة مني لفهم ما يعتري أناملي و يجعلها تلزم الصمت طوال هذه المدة، أو ربما لحثها على الاعتراف و قول الحقيقة، قد تجديني المحاولة فتكون النتيجة إيجابية إذا ما جعلت عيناي تنظران حرفي فيستوعب عقلي ما تقوله أناملي، و لكن، أليس ما تترجمه الأنامل ما هو إلا إملاء للعقل، حتى و لو صح هذا فإنني راضية بإيهام نفسي أنه ربما هناك عقل غير عقلي هو الذي يملي على أناملي ما تكتبه، كيف لا و أنا أعلم أن لكل عقل ظاهر، آخر باطن، و لكل وعي، لاوعي يؤثر و بالتالي يتأثر بكل ما يحيط بنا،،
هل تتغير أفكارنا؟ و هل يمكن للآخرين أن يزرعوا فينا أفكارا غير تلك الأفكار التي تلازمنا و تجعل كلا منا متميزا عن الآخر بأفكاره؟
كثيرا ما نقرأ أفكار الآخرين فيهيأ لنا أنهم يشبهوننا في أفكارنا و نتمنى لو كنا نحن من استطعنا كتابة ما يكتبونه فنجدنا نتبنى الفكرة و نرددها على مسامع آخرين دون أن نذكر المصدر و خصوصا إذا لم يكن معروفا، تلك الخدعة الصغيرة برغم خلوها من الشرف إلا أنها مفيدة لنا و لمن نخاطبهم بما أننا نشاركهم الأحاديث و نبادلهم النقاش فنؤثر بهم و يؤثرون بدورهم بنا بأفكارهم ربما التي قد تكون بدورها متبناه و ليست وليدة عقولهم،،
ربما قبل "ديكارت" لا أحد تساءل من أين تأتي الأفكار، و حتى عندما أطلق مقولته الشهيرة "أنا أفكر إذا أنا موجود" تبنينا المقولة و تشدقنا بها دون أن ندرك أن تلك الجملة البسيطة كانت نتاج سنوات من التفكير في ماهية الفكرة و ليس الوجود، ربما كان وجودنا هو السبب في جعلنا نفكر و لكن أليس التفكير هو في حد ذاته دليل على وجودنا؟ ربما يكون ديكارت قد انطلق من مبدأ الشك ليصل أخيرا إلى تلك القناعة و لكن بما أننا نمارس نفس الخديعة و التي تكمن في استقاء و تبني أفكار الآخرين قد نعطي لأنفسنا الحق في إسقاط مقولته تلك على حالة غير تلك التي اعترت فيلسوفنا الكبير و جعلته يؤلف كتبا انطلاقا من فكرة،، ربما نحن أيضا نكسر صمت الأنامل و تحجر الفكرة في عقولنا لنتمكن من خط بعض السطور التي و إن بدت غير واضحة المعنى تبقى في الأخير محاولة لا تضر بقدر ما تنفع صاحبها لتخطي السلبية التي جعلته ينأى عن استعمال أنامله،،
و تبقى الأفكار مبتورة المعنى، و تستمر الأنامل في الصمت برغم المحاولة،
و في الأخير،،
أعترف بفشلي في جعل أناملي تعترف، فما كتب غريب عما كنت أرغب في كتابته،،
بل لا صلة له البتة بما كنت أرغب في البوح به هنا،،
و دمتم كما تحبون