- انقشعت غمامة العدوان الاسرائيلي عن غزة وأيامه الثقيلة حيث تجلت بشاعة التركة التي لم تكن الا دماء وخراب وآسى مهين وموت كثير، حيث اجتهد الجيش الاسرائيلي ان يكون عدوانه قاسيا قدر الامكان على المدنيين والاطفال في كل مكان يتواجد فيه الانسان الفلسطيني.
داخل مقبرة بيت لاهيا شمال قطاع غزة حيث يوارى الموتى الثرى يفترض بك ان تسمع النواح والصياح وكثير من البكاء والعويل ولكن من المدهش ان تسمع الى كلمات شعرية وعاطفية مؤثرة" احبك جدا، وليتني استطيع ان اكشف عن محبتي لك وانت الوحيد الذي تعلمها ولا تعلمها، سوف نفعل ونذهب ونفرح ونحزن ونبيت ونركض امام الجميع، ولن اقوم بذلك وحدي.
لن اتركك وحدك هنا، سأبقى هنا او اتي عندك، فقد اصبحت جزئي مني يا حبيبي، لقد جهزت الشقة وقمت بغسلها مجددا استعداد لزفافنا".
لن يواريك الشك ان الحديث بين ذكر والمتحدثة انثى، وهي كذلك بالفعل، ولكن الكلمات بين فتاة على قيد الحياة وخطيبها في عثرات القبر يخطب اكفانه البيضاء داخل حفرة لا تتسع الا لشخص واحد، الشابة الحسناء "عبير"، التي ذرفت فيض من دموعها وهي تلقي كلمات المحبة لخطيبها محمد الذي امسى في جوف الارض، تمسك حفنه من تراب ترمها على قبره تحت صيحات بالتوقف والصبر من ذويها، تحت مراقبة طائرات الاستطلاع الاسرائيلية بمقبرة بيت لاهيا شمال غرب غزة، التي كانت سببا في ثكل عبير ومن مثلها كثير من الشابات الفلسطينيات، هذه الطائرات لا تأتلي جهدا كبيرا في قتل المزيد من الفلسطينيين الصامدين والذين لا يملكون غير الصمود.
عبير 23 عاما، اكتفت باسمها الاول نظرا لحساسة العادات والتقاليد المحلية الفلسطينية في قطاع عزة في ذكر اسم العائلة لوسائل الاعلام عندما يتعلق الامر بالأنثى تقول " في المقبرة انفه الذكر بعد ان رحل المشيعين وبقيت مع بعض افرد عائلتها بكلمات يائسة "لقد فقدت حياتي عندما رحل محمد شهيدا مدرجا بالدماء التي كنت اعيش ازهى اوقاتها منتظرين لحظة عمرنا، ليلة زفافنا بعد 12 يوما هذه اللحظات الجميلة، بددتها الطائرات الاسرائيلية، لقد احتفظت بالملابس التي كان يرتديها بعد اصابته بالقصف وسوف ابقى محتفظ بها الى اجل ما، لقد سلبوا مني اغلى ما كنت اطمح لها في الحياة".
عبير تتحدث بكثير من الكلمات المبعثرة بدى وكأنها تهذي بفعل الصدمة التي انتابتها وهي من سكان شمال غزة بمخيم جباليا، كان من المقرر ان تلتحم مع زوجها او فقديها في يوم زفافهم في التاسع من سبتمبر /ايلول المقبل، ولكن تقرر ان تبقى عبير حبيسه دموعها ولا تحمل من اسمها الا عبير الاسى والحزن العميق وهي مخضبة بحمرة اعينها الخضراوان حيث اعياها البكاء الهستيري بعد ان ثكلت بخطيبة محمد والذي قضى متأثرا بجراحه في قصف اسرائيلي استهدفهم شرق جباليا في ليلة الخامس من اغسطس الماضي.
عبير كانت مسجاه على صدر امها، تتحدث بالكباء والبكاء ومحمد حديثها لشدة تعلقها به، حيث تقول والدتها السيدة ام احمد 63 عاما "لقد كانت مخطوبة منذ 3 شهرين لمحمد ابو كُلاب وهو شاب مهذب جدا حتى انه كان يخرج معها دون رفقة، لدرجة وعيه الكبيرة لقد كانوا "روحين في قنية" وهو تشبيه مجازي يدل عل درجة الترابط والانسجام بين الرجل والمرآة.
تضيف والدتها وهي تحاول ان تشربها بعض الماء وتحثها على الحديث اثناء مغادرة المقبرة " بنتي اصابها انهيار، واصبحت لا تآكل وترفض الطعام، بل واحيانا نعطيها مغذي وريدي حتى تستطيع الوقوف والحديث، وبدت والدتها تحتبس الدموع قصرا اثناء حديثها بالقول "جمعينا شعر بالمأساة، ولكن هذا قضاء الله وقدره ويجيب ان نؤمن به، هي متيمة بخطيبها محمد بل انها نقشت اسمه على جميع اغراضها(..) من الصعب ان تعود بسهولة للوضع الطبيعي، عندما يموت شخص تعرفه تصاب بحزن بالغ، فما بالك عندما يستشهد شريك حياتك وتفتقده بالتراب، انه امر قاسي وصعب ان يمر بصورة عادية على الفتيات في اشارة ابنتها عبير خريجة تخصص الخدمة الاجتماع
من جامعة القدس المفتوحة.
لقد قرر الجيش الاسرائيلي بقتله محمد 25 عاما، ان يفتح ابواب من الحرمان على عبير كما مئات الفلسطينيين الذين يحملون شعور عبير واساها في عدوانه الذي استمر 51 يوما كانت رافعا شعار القتل ثم القتل لأي شيء فلسطيني.
لم تدرك عائلة محمد في جباليا ان هذا القدر سيفضي بهم الى التحلي بالصبر من خلال مشاطرة صوره التذكارية بالألم فقط، كما قرينه حياته عبير التي اصبحت بلا قرين ولن تتوانى في الاحتفاظ ببعض الهدايا من محمد حتى تتأبط حزنا اضافيا ولكنه وافقت على رفع شعار صورة وتذاكر، خيرا من موت وتراب.
وقضى خلال العمليات العسكرية الاسرائيلية 2137 فلسطيني التي حملت اسم "الجرف الصامد"، على قطاع غزة، جلهم أطفال ونساء ومدنيين.
فقدت عبير خطيبها وما زال الحزن شريك حياتها بدل محمد في اعتى مظاهر الظلم والعدوان تجاه الآف المدنيين العزل الضعفاء دون حماية من هذا الظلم، فمحمد الذي اودع الى جوف التراب منتظرا يوم العدل المشهود حينها يخرج اعدل اهل الارض والسماء، بقوله العظيم لا ظلم اليوم.