الانقلاب وتداعياته

يتباهى سامي أبو زهري بأن حركة حماس هي التنظيم الأقوى في فلسطين، وأن لا حل لتعزيز الشرعية الفلسطينية في مؤسسات السلطة الوطنية أو تجديدها من دون حركة حماس او بمعزل عنها او يمكن انجازها وتحقيقها من خلف ظهرها.
تصريح الناطق بلسان "حماس" هذا يفتقد للتواضع ويؤشر على سياسة الاستعلاء على كافة فصائل المقاومة التي لم يعد لها اي اعتبار لدى قادة "حماس" وأجهزتها الامنية، بدءاً من حركة فتح وانتهاء بحركة الجهاد الاسلامي مروراً بالشعبية والديمقراطية وحزب الشعب وحركة المبادرة الفلسطينية.
فالخلاف الذي بدأ مع حركة فتح انتهى ليشمل كافة الفصائل، لأن حركة حماس التي تستمد قوتها ونفوذها وعقليتها من حركة الاخوان المسلمين العالمية العابرة للحدود لا تؤمن هذه الحركة بأي آخر ولا تسلم بوجوده ولا تحترم مصالحه، فهي صاحبة الولاية والعصمة والامينة على الاصول والعقيدة والتراث، وهي صاحبة المستقبل حتى ولو اتفقت على التهدئة ووقف إطلاق النار مع العدو للحفاظ على الذات والمصالح الحزبية على حساب الوطن.
فالاتفاق الذي توصلت اليه حركة حماس مع الاسرائيليين تحت عنوان التهدئة، هدف الى وقف عمليات الاغتيال، مثلـما يهدف الى فتح معبر رفح من اجل تعزيز سلطة الانقلاب وتحقيق شرعيته المفقوده، من دون اي اعتبار للمصالح الوطنية الفلسطينية.
حركة حماس فقدت مواقعها القيادية في مجالس طلبة الجامعات الفلسطينية في الانتخابات التي شملت الجامعات في الضفة باستثناء جامعة النجاح، وهي اول انتخابات تتم في فلسطين بعد الانقلاب، وهي مؤشر على المزاج العام الذي يحكم المناخ السياسي في فلسطين، ومع ذلك ما هي الاعتبارات والادوات التي تشير او تدلل على ان "حماس" هي الاقوى؟
اليست هي الانتخابات وصناديق الاقتراع وهي اداة الشعب لمنح ثقته للقيادة المنتخبة، و"حماس" حصلت على شرعيتها الرسمية عبر الانتخابات التي جرت للمجالس البلدية سنة 2005 وللانتخابات التشريعية التي جرت سنة 2006. ومن هنا لو كانت حركة حماس تملك الوعي والايمان والثقة لما ترددت في الانحياز لخيار الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية على مستوى الضفة والقدس والقطاع حتى تجدد شرعية موقعها ومكانتها التي حصلت عليها في انحياز الاغلبية الفلسطينية لصالحها، فقد حققت ما مجموعه 430 ألف صوت في انتخابات القوائم الحزبية بينما حصلت حركة فتح على 410 آلاف صوت وهو ابرز مقياس موضوعي يمكن الاعتماد عليه في الانتخابات، للحكم على مكانة وقوة طرفي الخلاف والصراع الفلسطيني.
هنالك ثلاثة احتمالات يمكن الرهان عليها او العمل بشأنها فلسطينياً منذ بداية العام المقبل، حيث تنتهي ولاية رئيس السلطة في 8 كانون الثاني القادم وتنتهي ولاية الـمجلس التشريعي في 24 كانون الثاني 2010.
الاحتمال الأول: أن يتم الاتفاق والقرار في إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في يوم واحد وفق قرار المجلس التشريعي ووفق فتوى رئيس المجلس القضائي.
والاحتمال الثاني: إجراء الانتخابات الرئاسية وحدها بمعزل عن الانتخابات التشريعية استجابة للاستحقاق الدستوري مع نهاية ولاية الرئيس، على ان تتم الانتخابات التشريعية في موعدها واستحقاقها الدستوري بعد نهاية ولاية المجلس التشريعي.
والاحتمال الثالث: أن تبقى الأوضاع على ما هي عليه، حيث كل طرف يشكك بشرعية الآخر، فالحكومة القائمة في غزة برئاسة اسماعيل هنية أقالها الرئيس وهي فاقدة للشرعية ومع ذلك ما زالت قائمة وتعمل بقوة الانقلاب واعتماداً على كتائب القسام والقوة التنفيذية، وقد أضافت لنفسها وزراء جددا من دون أي اعتبار أو احترام للنظام الأساسي وللقانون، فالقانون السائد في قطاع غزة هو مصلحة حركة حماس وقراراتها ولا يعنيها اي اعتبار آخر بصرف النظر عن شرعيته او فقدانه لأي غطاء شرعي.
ولذلك مقابل ما يجري في غزة يمكن إيجاد الذرائع والحجج في رام الله لمواصلة الرئيس محمود عباس شرعيته وتمديد ولايته من دون اي سند قانوني سوى عدم التمكن من إجراء الانتخابات في الضفة والقدس والقطاع بسبب الانقلاب وتداعياته ورفض "حماس" للانصياع لاي قرارات يمكن ان يتخذها الرئيس بخصوص الحق الدستوري بالدعوة لاجراء الانتخابات.
الانتخابات يجب ان تتم لأنها السلاح الوحيد الذي يمنح الشرعية أو يجددها أو يحجبها، وسواء قبلت "حماس" او رفضت، وسواء تمت الانتخابات في الضفة والقدس والقطاع او اقتصرت على الضفة والقدس من دون قطاع غزة، يجب ان تتم الانتخابات لأنها في الحالتين تفقد "حماس" شرعيتها وتفقدها مباهاتها او ادعاءها انها التنظيم الفلسطيني الأقوى، فالاقوياء لايخافون شعبهم ويقبلون الاحتكام له، لأنه هو صاحب الولاية ولا طرف غيره يمنح الولاية والشرعية، فهل تفعلها "حماس" وتقبل التحدي وترضخ لمنطق الشرعية وصناديق الاقتراع وتذهب الى الانتخابات؟